08 - 05 - 2025

عاصفة بوح| قصة حب آمنة أم سياسة خطرة؟

عاصفة بوح| قصة حب آمنة أم سياسة خطرة؟

لم نعد نستطيع التعامل مع السياسة والتدخل فى شؤونها التى هى حق أصيل لنا لأنها شأننا، كما أن الكثيرين منا لا يستطيعون دفع كلفتها على مستقبلهآآ  ومستقبل أولاده، بالإضافة أن التضحية من أجلها لرفعة الأوطان لم تعد تؤتى همها، بعدما تخلى الجميع عن الذين تصدروا للتغيير من أجل الأغلبية المطحونة، رغم أنهم لم يكونوا من الفئة المطحونة، إنما رغبة وأملا فى تغيير طال الشوق إليه بعد ثلاثين عاما من الهوان. الشباب وحدهم تجرأوا بحكم أنهم شباب لم يألفوا الخوف عقودا ويأنسوا له، ولم يناموا فى عسل السلطة وفراشها ولو عرفيا ومصلحة ونسبا.

آآ فلنبحث إذن عن مواضيع آمنة تلائم الظرف الحالي، لأن الاهتمام بالشأن العام الآن - للمرة الثانية - قد يوردك التهلكة ، سواء كان بقصد أو بحسن نية فى بعض الأحوال. فلأبحث عن موضوع آمن للكتابة . وما غير الحديث عن الحب يضمن أمنا وسلامة فى التو واللحظة.

أفعل ما فعل من قبلى كثير من شيوخنا الأجلاء على مدى العصور هروبا من الإلقاء فى جب أو معتقل المغول، نتيجة تجرئهم على الكلام فى أمور تضر بالحكم، كالشورى التى هى ملزمة للحاكم وليس استشارية كما يدعون، أو أنآآ  بيت مال المسلمين لابد من مراقبته، أو أن الخلافة لا تورث وإن كانت مرتبطة بزمن ما وظروف معينة، وليس لها مكان من الإعراب أساسا في وقتها أو الآن.

آآ ولكل ماسبق اضطر الشيوخ بعدما رأوا آآ رأس آآ الذئب الطائر مرارا وتكرارا أن يتجهوا وجهة آمنة بعدما أضناهم التعب وضاقت عليهم رؤوس الموضوعات أن يتجهوا إلى سفاسف الأمور، ويتحذلقون ويتفلسفون حتى وصلت بهم الأمور إلى مناقشة شرب بول الرسول تبركا، ومخافذة الصغيرة إجراما وتبجحا وشهوة شاذة، بالإضافة إلى أتفه الأشياء ، كل ذلك كان من باب ملء الفراغ حتى وصلت إلينا مشفاة ومركزة، وحولت حياتنا إلى جحيم وأعادتنا إلى عصور ماقبل التاريخ والعقل والحضارة والفطرة السليمة !!

إذن هى تجربة تتكرر عندما تتأزم الأمور وينغلق المجال العام، فلا تجد ماتكتبه حتى لايدفعك مباشرة إلى قطع العيش فى أقل الاحتمالات وصولا إلى السجن والإعدام فى أكثرها تهورا. ومن ثم يتفتق ذهنك عن حل يريح جميع الأطراف: الكتابة عن الحب والعشق وسهر الليالى، ذلك إن لم يفرض عليك فرضا الانضمام إلى قطعان الرقص والتطبيل على الفاضى والمليان وإلا !

هو الحب وما أجمله من حديث عن العشق وسنينه أو حتى لحظاته، ترياق المحبة الذى يغنينا عن كثير من الأوجاع و الهموم، نتمناه و نستدعيه ونذوق حلاوته فى أعتى الظروف، حتى أنهم لاحظوا أنه في أوقات الحروب والثوراتآآ  ترتقع نسب آآ الوقوع فى آآ الحب سريعا سريعا وإتمام آآ الزواج دون حسبة تكلفته آآ تفكيرا ومسؤولية، ربما لأنه يشعرنا بالحياة شغفا وإثارة ونحن قاب قوسين من فقدانها، فلنختطف منها أحلى مافيها قبل الحرمان منها بسبب السياسيين الأوغاد!

ولكن للحظة، تذكرت شبابنا الذين قاوموا الظلم فى لحظات الثورة الاستثنائية الرائعة المخطوفة من الزمن، تحدوا آآ فيها العالم والظروف ووقعوا فى الحب بل تجرأوا على الارتباط والإنجاب بعدما تصوروا واهمين انتصارها، ومن ثم أصبحت البلد بالنسبة لهم آمنة للحياة فيها وتربية العيال!

هكذا كان أملنا وحلمنا جميعا!

لكن للأسف انتهت كثير من القصص على أرض الحلم الجماعى المغدور، فتم التفريق بين الحبيبين الزوجين بأمر المحكمة، لا ليس حسبة دينية كما قد يطوف بخيالكم كما حدث مع صاحب تجديد الخطاب الدينى الأستاذ الجامعى والمفكر المجدد نصر حامد أبو زيد، إنما عقاب على التجرؤ على أهل الحكم و اعتبارهم ليسوا قدرا مكتوب علينا تجرعه إلى الأبد

آآ وهكذا دخل كثير من الشباب إلى السجون، تاركين الطرف الآخر وحيدا، وربما نادما على آآ التضحية التى دفعها من أجل أناس غدروا بهم ولم يستحقوا إلا نظام مبارك، يليق بهم و يليقون به.

آآ وتذكرت نبل كثير من الشباب الذين عادوا إلى وطنهم ولم يهربوا وتصوروا أنهم سيجدون إنصافا وعدلا بحماية الظهير الشعبى بعد الثورة قبل اغتيالها رسميا. فقوبل النبل بكل قسوة وظلم وأصبحوا عبرة لمن يفكر أن يضحى فى سبيل الوطن والشعب الذي أدار وجهه خوفا أو رجع إلى حزب الكنبة التقليدي، فالانتصار جماعى أما الهزيمة فهي من نصيب النبلاء فقط.وتنبهت إلى أنه حتى الكتابة عن الحب قد ترميك وراء الشمس !

آآ انسوا كل قصص الحب المغدورة ، من حكم عليه بالإعدام المعنوى والبعض الذي تم إعدامه فعليا!

وأتصور كما قرأت فى رواية أحمدآآ  مراد آآ 1919 عن أزمة شباب الحزب الدستورى الذى استعانوا به لمساعدة سعد زغلول آآ فى الرجوع منآآ  المنفى، ومن ثم تورط الشباب فى أعمال عنف طلبت منهم ولماآآ  ألقوا آآ فى السجون تخلى عنهم من رجع لكرسى الحكم والسياسة ومقتضياتها البراجماتية .

ما أشبه اليوم بالبارحة ولا أحد يتعلم، النبيل سيظل على نبله ويجد كثيرا من المبررات التى تدفعه دفعا إلى التضحية من أجل الوطن، والأندال والخونة والبراجماتيون والآكلين على كل الموائد و(اللى ماشيين جنب الحيط) سيجدون هم أيضا ألف مبرر ومبرر لخيانة النبلاء بضمير راض ونومة هنية مادام الخطر بعيدا عنهم والمصلحة مقضية!

هل كان ما كتبته سياسة خطرة، أم حكاية عشق وحب آمنة ؟ استرها يارب!

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة